languageFrançais

البلفدير: حديقة الحيوانات الحزينة

بتذكرة معلومها 1.500 مليما للبالغين (1100 للأطفال)،  دخلنا اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2019 حديقة الحيوانات بالبلفيدير، وتجولنا في أرجائها دون إعلام إدارتها، لنتأكد من حقيقة الوضع في هذه الحديقة التي ما فتئت تثير الجدل بحوادثها غير السارة غالبا.


يوم الأحد 20 أكتوبر 2019، أطلق نشطاء مدافعون عن الحيوانات عريضة بعنوان ''حديقة البلفيدير جحيم للحيوانات''، وطالبوا فيها بإنهاء وضع الحيوانات في أقفاص صغيرة، وبوضع حد لسوء العناية والتغذية التي تعانيها فصائل من الحيوانات. فبعد التمساح الذي قتل بطريقة وحشية في ربيع 2017، ومن ثم إعادة افتتاحها إثر أشغال صيانة وتثبيت كاميرات مراقبة، وبعد إعلان جلب حيوانات جديدة إلى أقفاصها.. لم تمض أشهر معدودة حتى عرفت الحديقة حادثة سرقة لـ8 خرفان ذات 4 قرون من طرف مجهولين.. 


ومؤخرا، عادت الحديقة وحيواناتها لتثير الجدل بعد انتشار صور جيف حيوانات ملقاة بإهمال في أرجاء الحديقة إكتشفها عدد من النشطاء الذين قاموا بحملة نظافة للحديقة يوم السبت الماضي. كما أكدوا عثورهم على قردة في حالة سيئة داخل قفص شديد الضيق، إضافة إلى الأوساخ المنتشرة في كل مكان بما في ذلك المياه التي تسبح فيها الحيوانات البرمائية.. 


من جانبه، علٌّق مدير الحديقة عمر النيفر على الصور التي انتشرت قائلا إن بعض الصور قديمة ويتم تداولها على أنها صور من  حملة النظافة، ولفت إلى أن المياه التي تستخدم للحيوانات المائية نظيفة ومراقبة حيث يتم استخراجها من أبار موجودة في الحديقة، كما أكد أن بيطريا مختصّا في الحيوانات البريّة موجود على مدار الـ24 ساعة لتفقد الحيوانات...


وبتنقلنا على عين المكان صباح اليوم، لاحظنا عناية خاصة من طرف أعوان الحديقة المنتشرين في مختلف أنحائها، إذ كانوا منهمكين في تغيير أغلب مياه البرك التي كانت قد ظهرت شديدة الإتساخ في الصور التي أحدثت جدلا مؤخرا. كما يعمل الأعوان على تنظيف الأقفاص بأعين متيقظة تراقب الزوار جيدا.. لم نستطع أن نقترب كثيرا من الحيوانات ولا أن نبحث عن مسارب غير متاحة للزوار. 


معظم الحيوانات كانت مستلقية أو نائمة رغم محاولات الزوار الحثيثة لدفعها إلى الحركة أو التفاعل، وبعضها بدا عليها الهزال فعلا. الأسود والنوارس كانت لا مبالية بما في خارج أقفاصها الصغيرة، وحدها عائلة متكونة من أسد ولبؤة وأشبالهما الثلاثة، بدت عادية ونشطة وتم وضعها في فضاء مفتوح ومتسع نسبيا. 

وفي حديثنا إلى أحد أعوان الحديقة –دون أن نقدّم له صفتنا الصحفية- فنّد ما راج حول الحديقة مؤكدا أن الأعوان شديدو الحرص على العناية بالحيوانات لسلامتها ولسلامتهم الشخصية أيضا. تطرّق الرجل إلى صعوبة الساعات الثماني التي يعملها منذ زهاء 26 عاما في هذه الحديقة، وقال ''حين آتي إلى هنا فعلي وجوبا أن أترك كل مشاكلي وهمومي الشخصية ورائي، لحظة سهو أو خطئ في إدخال حيوان مفترس إلى جانب آخر بينهما عداوة قديمة أو في غير وقته، يمكن أن يحوّل القفص إلى مجزرة..''. 

يعمل في الحديقة حوالي 60 عاملا بين إداري وعون صيانة ونظافة وعناية بالحيوانات، وتوفر الحديقة بيطريين متوفران لـ24 ساعة. أخبرنا عون الحديقة أنه يحرص كل صباح على مراقبة الحيوانات وتفحصها، حتى يعلم الطبيب البيطري بأي طارئ أو تغيّر عليها. وشدد القول ''أعرف الحيوانات جيدا.. ويمكنني أن أتفطن إلى مرض أحدها سريعا''. 


سألناه عن سبب هزال بعض الحيوانات، فأكد أن الحديقة توفّر الكميات اللازمة من الأكل لها جميعا، وعن سبب كسلها ونومها المتواصل، قال إنه أمر عادي.. لكنه لم يبد لنا عاديا بأي حال.. بدت لنا ''حيوانات حزينة''. 


لم يخف العامل وجود نقائص في الحديقة، وعرّج على قلة العملة الذين يعتنون بالحيوانات، قائلا ''نحن حوالي 10 عملة نعمل منذ ساعات الصباح الأولى إلى حين غلق أبواب الحديقة.. شخصيا أفتتح عملي بأقفاص الأسود لأنها واجهة الحديقة والزوار يقبلون دائما عليها.. لكني بعد جولة بين عشرات الأقفاص لا بدّ أن أنهك في النهاية ولا أتمّ عملي على أكمل وجه..''. وتساءل قائلا ''لا نعلم لماذا لا يتم تعزيز صفوفنا بعملة إضافيين؟ الحديقة تحتاج إنتدابات جديدة''. 

وفي جانب آخر من الحديقة، لاحظنا وجود أعداد متزايدة من الأقفاص الخالية، والتي لا يُعرف مصير الحيوانات التي كانت داخلها.  أما القردة، فقد بدا المرض على بعضها واضحا، في حين عرفت أقفاص قردة أخرى ولادات حديثة أضفت بهجة على المكان رغم كل شيء.

لا بدّ أن الحديقة التي تمثل رئة العاصمة تعاني عيوبا ونقائص عديدة، ولا بدّ أنها عرفت تجاوزات وتقصيرا بشريا و ماديا، لكنها ما تزال رغم كل شيء تمثل قبلة يومية لمئات الأطفال والعائلات. اليوم مثلا، شهدنا قدوم وفود عديدة من رياض أطفال ومدارس، بدوا شديدي الفضول والحماسة لإكتشاف مغاور الحديقة وما وراء أقفاصها، لكننا لمحنا أيضا خيبات أمل في أعين الأطفال بعد أن وجدوا ''أسد الغابة'' مكتئبا ولا يبدي حركة ولا زئيرا.. 

روبورتاج وتصوير: أمل الهذيلي